قصة طالب جامعي يعمل فريلانس عام 2009م

قصة طالب جامعي أشتغل مدير مشاريع ولم يكن يعلم ماذا يعني مصطلح إدارة مشاريع، ويعمل كبروديوسر ولم يكن يعلم ماذا يعني بورديسور، ويعمل فريلانسر ولم يكن يعلم ماذا يعني فريلانس!

في عام 2009م بدأت الهجرة الى موقع فيسبوك، فيسبوك -أن ذاك- هي المنصة الأكثر تطورا في عالم التواصل الاجتماعي وقد أخرجتنا من حقبه سبقتها أقل تطورا كانت تسمى بـ “المنتديات”

قد كنت سابقا في ذلك العهد “إنفلونسرا = مشرف” في أحد أقسام المنتديات كما كنت “أنفلونسرا = راعي جروب فيسبوك” في منصة فيسبوك.

خلال تلك الفترة بدأ بالظهور أسماء تجارعلى فيسبوك بإعلانات تحمل في طياتها برامج انتخابية وأرقام للتصويت! لم أعلم ما هي الهرجة وأشتد علي حب اللقافة الذي دفعني لقراءة المزيد فلم أكن أعلم أن هناك شيء ما يتم بالتصويت في السعودية.

شاهدت الإعلانات والبرامج الانتخابية مكتوبة في إعلانات صورية، مع صورة كبيرة للمرشح الانتخابي، ورقم بجانبه للتصويت. في دعوة لأن يقوم كل من لديه سجل تجاري بالتصويت لهذا الناخب وذلك حتى يحصل على مقعد في مجلس إدارة الغرفة التجارية بجدة ويحقق برنامجه الإنتخابي عبر هذه العضوية وما تحمله من صلاحيات.

لاحظت وجود فراغ في تلك الإعلانات، حيث لم يستخدم أحدهم أي مواد ترويجية بالفيديو، وقد بدأ في ذلك الوقت المحتوى العربي بالدخول الى عالم اليوتيوب شيئا فشيئا. وهنا لمعة الفكرة الريادية!

لماذا لا أقدم لهم خدمة “مقطع فيديو قصير” يشرح البرنامج الانتخابي، فالشريحة المستهدفة لا وقت لديها لقراءة برنامج انتخابي، والصورة بألم كلمة فماذا لو كانت فيديو مصور لمدة 7 دقائق يشرح فيه المنتخب برنامجه الانتخابي بتفاصيله؟

تواصلت مع صديقي محمد مكي الذي كان طالبا أن ذاك وأعلم بشغفة في الإخراج والأفلام وأنا في زمن ما كنت أشاركه هذا الشغف بدون الدراية والأدوات التي كانت لديه. وطرحت عليه الفكرة وأجاب باستعداده للعمل معي وحددنا سعر الخدمة.

ممتاز، الأن لدينا المخرج للتصوير، باقي التعديل على مخرجات التصوير وتركيب الصوت في الفيديو، تواصلت مع شخص أخر أسمه أنس كنت أجده فعالا في فيسبوك ويحب الجرافيك ديزاين، وطرحت عليه الفكرة وأعطاني سعر الخدمة. فأصبح لدي فريق متكامل ما يخرش المية.

كانت الشكوك في نجاح الفكرة كبيرة، فلا أحمل ما يمثلني سوا بطاقة الأحوال وبطاقة الجامعة، لذلك قررت أن أقدم الخدمة بتكلفة منخفضة وفي وقت قياسي مقارنة بما تقدمه شركات التسويق من أخوانا اللبنانيين بأرقام فلكية. فأنا سعودي (وش فهمك) وطالب (وش عرفك) ولا يوجد لدي سجل تجاري (مين أنت) ولمجابهة كل هذه الأفكار الهدامة كان العرض كالتالي:

5 دقائق مصورة مع الإخراج يتم تسليمها خلال 5 أيام بقيمة 15 ألف ريال! خمسه خمسه خمسطعش والدفع بعد التسليم!

بدأت العمل وذلك بجمع قائمة جميع المنتخبين، وبدأت في التواصل معهم واحدا واحدا عبر الرسائل الخاصة في فيسبوك، أعتقد أنه قد كان هناك ما يقارب 70 منتخب ومن يتواجد منهم على فيسبوك قاربه الـ 40 أما البقية أعتقد كانوا مسجلين في فيسبوك بأسماء مستعاره ولم يخرجوا من حقبة المنتديات بعد فلم أستطع الوصول اليهم.

رد على رسائلي الـ 40 ما يقارب الـ 9 أشخاص منها 8 رسائل تحمل في طياتها الرفض المطعم بنكهة الحب ومباركة المبادرة “الشبابية” وأمسك الباب وأقلب وجهك. ولكن من باب أخر وافق على الاجتماع معنا أحد التجار

حددنا الاجتماع الأول وقد طلبت أن يكون صديقي المخرج محمد معي، فالحقيقة هو أول اجتماع عمل أقوم به كقائد للموضوع وقد أجيب العيد وأحتاج أحد يدعمني معنويا.

دخلت الى مقر الشركة بعد إنتهاء الدوام الرسمي للعاملين فيها، وينتابني القلق والرهبة فمكاتب للموظفين الصغار بالشركة والتي أمر من بينها فخمة وأنا متجه الى مكتب المدير التنفيذي بكبره!

وصلت الى مكتب المدير التنفيذي معتقدا وصولي، إلا أنه كان مكتب السكرتير لسه. ومن هناك دخلت الى مكتب المدير التنفيذي الذي لم يكن أقل فخامة من المكاتب التي قبلها، أدخلتني السكرتيرة وعرفتني بالمدير التنفيذي ومستشاره الصامت بجانبه وطلب منا الجلوس أنا وصديقي.

بدأت في عرض الفكرة مرة أخرى، وبدأ في طرح الأسئلة، من أنتم؟ ايش وضعكم؟ ايش أعمالكم السابقة؟ لماذا 15 الف؟ مو كثير؟ كيف نضمن تخلصوا في الوقت؟ هل الناس تتفرج يوتيوب؟ أجبت وقد كان صديقي مدججا بما يثبت درايتنا في عالم الإخراج وأعماله السابقة. وأنا مدججا بالخطة التي سنعمل عليها والأوقات والمواعيد وأفراد الفريق.

أنتهى حديثنا وبدأ المستشار الصامت يخرج من صمته ويوشوش المدير التنفيذي، وانتهت الوشوشة وأستدار المدير التنفيذي مبتسما ورد على عرضنا بكلمات تحمل في طياتها الرفض المطعم بنكهة الحب ومباركة المبادرة “الشبابية” وأمسك الباب وأقلب وجهك.

خرجت وأحمل اليأس في نفسي، فهذا الرفض وإن كان لطيفا إلا أنه مختلف عن الرسائل، والوشوشة كانت مبزره ولم أفهم المشكلة، ولكن تجدد الأمل بورود رسالة جديدة على أحد رسائلنا الـ 40 المعلقة، بطلب اجتماع مع إبن أحد التجار المنتخبين!

ذهبنا للاجتماع وإذ هي شركة تسويق محلية، يقودها هذا الشاب ابن ذلك التاجر، سألنا مختلف الأسئلة وأجبنا بما لدينا وأنتهت المداولات وعم الصمت في أرجاء المكان، وأستدار مبتسما ورد على عرضنا بكلمات تحمل في طياتها الرفض المطعم بنكهة الحب ومباركة المبادرة “الشبابية” ولكن…بالموافقة! نعم بالموافقة! قرر أن يأخذ المخاطرة ويخوض التجربة معنا وهذا ما تم!

أعتقد بسبب تقارب الأعمار كان الوضع أخف حملا على نفسي وأسهل في التواصل وتبليغ الرسالة والعرض، وكون أنه تاجرا إبن تاجر وله في ريادة الأعمال ما له فيها فقد شعر بنشوة الحماس وعمق المحاولة وجراءة الخطوة وعليه قبل بالمخاطرة، والله أعلم

بدأنا العمل بكتابة المشاهد التصويرية وتخطيط مواقع التصوير والتواصل مع الأشخاص الذين سيتم تصويرهم  في الفيلم وتحديد المواعيد وكتابة السيناريو، كما بحثت عن شخص يقوم بتسجيل صوته “فويس أوفر” وفي نفس الوقت بدأ التصوير والذي أستمر لمدة يومين 8 ساعات يوميا، في 4 مواقع مختلفة.

وصل محمد محملا بالكاميرات والإضاءات والمايك المعلق ومعه فريق عمل متكامل كلهم طلبة بالجامعة وأصدقاءه المحبين للإخراج والأفلام وعالم السينما

أنتهى التصوير وبدأ العمل على التصميم والجرافيكس مع أنس، كنا حينها قد قضينا يوما في الكتابة والتجهيز للتصوير وترتيب المواعيد، ويومين في التصوير، ويوم في تسجيل الفويس أوفر مرة أخرى لركاكة جودة الصوت في المرة الأولى، وقد تبقى يوم واحد لتسليم المشروع الى العميل!

قمنا بإرسال الملفات المصورة الى أنس والذي بدأ العمل مباشرة وكنا نعتقد أنه سينتهي بذات اليوم، ولكن طلب أنس أن يتم تمديد الوقت الى يومين إضافية فقد كانت ساعات التصوير طويلة وتحتاج الى تعديلات كثيرة!

مستحيل. والف مستحيل، وعدنا بالتسليم خلال 5 أيام والتمديد خيار غير متاح، شلت قشي ورحت لمكتب أنس، وطلبت منه المساعدة في إتمام العمل فيجب أن أقوم بتسليمه غدا! طلبت منه أن يطلب ما يريد حتى ينتهي وكان واضحا أنني لن أخرج من هنا حتى أستلم الفيديو النهائي بيدي على سي دي

توهق صديقنا أنس مع ذا النشبة (101 مدير مشاريع)، وقال أبشر وبدأ في العمل مع أصدقائه الإثنين، أستمر العمل من العصر وحتى الساعة 12 مساءا وقد تلقحت في أرضية مكتبه نائما وأستيقظ وهو وأصدقائه يرمقوني بالنظرات: ما ودك تروح بيتكم؟ فأجيب بكل ثقة مع نكهة من الاعتذار وتبرير للموقف.

انتهينا الساعة 2 صباحا، ولكن لم يتم التسليم بعد! كانت هناك محاولة أخيرة بعيدة المنال ولكن تستاهل التجربة لزيادة الدخل. ذهبت في يوم التسليم صباحا الى مكتب شاب عصامي لديه مؤسسة صغيرة يعمل في مجال الترفيه والاعلام والتسويق والتصميم والإخراج والإدارة والمقاولات وكل شيء يجي على بالك، وعرضت عليه العرض التالي:

هل تود أن يتم وضع شعار شركتكم المرموق في الفيديو وينسب العمل لكم مقابل 5 الاف ريال؟ ضحك وأجاب بالرفض القاطع، فخرجت من عنده بهدوء فقد كنت متوقعا هذا الرفض، وعند وصولي الى باب المخرج ناداني وقال أوكي! بغضب! لم أفهمه حتى اليوم. وحرر لي شيكا وطلب مني صرفه بعد أيام معينة.

أتصلت على صديقي أنس وقد قاب قوسين أو أدنى أن يعملي حظر من حياته، وطلبت منه التعديل الأخير بإضافة شعار المؤسسة، فتم ذلك واستلمت المخرج النهائي وقمت بتسليمه للعميل. وأستلمت فلوسي ووزعتها على الجميع.

خلال 8 أيام وانا طالب جامعي كنت قادر على تحصيل مبلغ 9 ألاف ريال من فكرة وجهد وتعاون مع الجميع. مع أن التجربة كانت صغيرة إلا أنها وفي سنوات مبكره زرعت في داخلي ثقة كبيرة خدمتني في حياتي بمواجهة الصعوبات واستغلال الفرص الى اليوم، في ذات العام وبأحد الشهور قمت بأعمال أخرى في مجالات مختلفة وكان مجموع دخلي 70 الف ريال في شهر واحد. أحكيها لكم في سرد أخر إذا أعجبكم هذا السرد، أمر لم أكن أتخيل أن يكون ممكنا لو لم أخطو الخطوة الأولى وأجرب شيء جديد كل يوم.

793 مجموع المشاهدات 1 مشاهدات اليوم